by بثينة العيسى
تكبر وتنسى، عبارة يقولها كبيرُ السن في الغالب للطفلِ إذا جُرح أو تعرّض لأي شكلٍ من أشكالِ الأذى. من هذه العبارة تتفجّر حكاية فاطمة، حكاية الطفلة التي كبرت وهي تحاولُ أن تنسى، ولم.. فاطمة تمثل أبناء ما عرف بجيل الصحوة، جيل الحركات الدينية التي اجتاحت المنطقة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهي الحركة التي تركت شروخها العميقة في البيت الكويتي خصوصًا، والخليجي عمومًا، منذ تحريم الفضائيات وتجريم الموسيقى والشعر والرسم وأشكال الفنون جميعها، إلى قمع المرأة ومصادرة حقها في اتخاذ قراراتها الخاصة؛ قرار الدراسة، وقرار العمل، وأخيرًا قرار الزواج. تفقد فاطمة والديها بحادث سيارة، ليتولى أخوها الكبير غير الشقيق مهمة تربيتها، ويتلقف هذه المهمة المقدسة بكل الحماسة الممكنة محاولاً "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" منها بعد تعرضها لـ 13 سنة من التربية "غير السليمة" وغير المتوافقة مع ما يظنّ بأنه الشرع الإلهي. تتعرض فاطمة إلى أنواع من العنف المنزلي (اللفظي، والجسدي، والنفسي) تحت ستار الدين الذي يوظفه الأخ الكبير ببراعة لجلد أخته. وعندما ينجح (تقريبًا) في قتلها معنويًا بدوافع الإصلاح، يتخلص منها بتزويجها من (فارس) الذي هو امتدادٌ لنفس العقلية البطريركية، ولكن دون أي اتكاءٍ على المقدّس. تحاولُ فاطمة أن تنسى حقيقتها الداخلية، صوت الشاعرة المنبثق من أعماقها، لكي تواكبَ ما يريده المجتمع منها متمثلا في الزوج والأخ. ولكنها لا تنسى .. تتذكر وحسب. الرواية عبارة عن رحلة فاطمة، منذ محاولات النسيان وحتى مجابهات الذاكرة، وكل صراعها من أجل الإبقاء على حقوقها الصغيرة وغير المؤذية في هذه الحياة القاحلة التي قرّروها من أجلها. معركتها مع (وليّ الأمر) الذي ينطق باسم الدين تارة، وباسم التقاليد تارة أخرى، في محاولة لاختراق مصفوفة الاستلاب والخروج بانتصارٍ صغير يتمثل في كتابة الشعر. وفي النهاية، يتضح لفاطمة بأن البطل الحقيقي لحكايتها (ولروايتنا هذه) هو الشعر نفسه، الذي ينقذ حيوات آلاف الناس كلّ يوم، ينقذ أرواحهم من الانمساخ والتفسّخ تحت وطأة الجفاف الروحي والجمالي الذي تكرّسه المجتمعات الشمولية والبطريركية والمادية بمنهجية وبراعة. ما تقولهُ الرواية، باختصار، أن تمسّكنا بالجمال، وإصرارنا عليه، هو فعلُ مقاومة.
Just remember. The novel is the journey of Fatima, from the attempts of forgetfulness and even the confrontations of memory, and all her struggle to preserve her small and harmless rights in this arid life they have decided for her. The struggle with the (guardian), who speaks the name of religion sometimes, and in the name of tradition at other times, to penetrate the matrix of the takeover and come out with a small victory in writing poetry. Finally, it is clear to Fatima that the real hero of her story is the poetry itself, which saves the lives of thousands of people every day, saving their lives from the clutches and disintegration under the weight of the spiritual and aesthetic drought of the totalitarian, patriarchal and material societies. What the novel says, in short, that our attachment to beauty, and our insistence on it, is an act of resistance.
تكبر وتنسى، عبارة يقولها كبيرُ السن في الغالب للطفلِ إذا جُرح أو تعرّض لأي شكلٍ من أشكالِ الأذى. من هذه العبارة تتفجّر حكاية فاطمة، حكاية الطفلة التي كبرت وهي تحاولُ أن تنسى، ولم.. فاطمة تمثل أبناء ما عرف بجيل الصحوة، جيل الحركات الدينية التي اجتاحت المنطقة في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، وهي الحركة التي تركت شروخها العميقة في البيت الكويتي خصوصًا، والخليجي عمومًا، منذ تحريم الفضائيات وتجريم الموسيقى والشعر والرسم وأشكال الفنون جميعها، إلى قمع المرأة ومصادرة حقها في اتخاذ قراراتها الخاصة؛ قرار الدراسة، وقرار العمل، وأخيرًا قرار الزواج. تفقد فاطمة والديها بحادث سيارة، ليتولى أخوها الكبير غير الشقيق مهمة تربيتها، ويتلقف هذه المهمة المقدسة بكل الحماسة الممكنة محاولاً "إنقاذ ما يمكن إنقاذه" منها بعد تعرضها لـ 13 سنة من التربية "غير السليمة" وغير المتوافقة مع ما يظنّ بأنه الشرع الإلهي. تتعرض فاطمة إلى أنواع من العنف المنزلي (اللفظي، والجسدي، والنفسي) تحت ستار الدين الذي يوظفه الأخ الكبير ببراعة لجلد أخته. وعندما ينجح (تقريبًا) في قتلها معنويًا بدوافع الإصلاح، يتخلص منها بتزويجها من (فارس) الذي هو امتدادٌ لنفس العقلية البطريركية، ولكن دون أي اتكاءٍ على المقدّس. تحاولُ فاطمة أن تنسى حقيقتها الداخلية، صوت الشاعرة المنبثق من أعماقها، لكي تواكبَ ما يريده المجتمع منها متمثلا في الزوج والأخ. ولكنها لا تنسى .. تتذكر وحسب. الرواية عبارة عن رحلة فاطمة، منذ محاولات النسيان وحتى مجابهات الذاكرة، وكل صراعها من أجل الإبقاء على حقوقها الصغيرة وغير المؤذية في هذه الحياة القاحلة التي قرّروها من أجلها. معركتها مع (وليّ الأمر) الذي ينطق باسم الدين تارة، وباسم التقاليد تارة أخرى، في محاولة لاختراق مصفوفة الاستلاب والخروج بانتصارٍ صغير يتمثل في كتابة الشعر. وفي النهاية، يتضح لفاطمة بأن البطل الحقيقي لحكايتها (ولروايتنا هذه) هو الشعر نفسه، الذي ينقذ حيوات آلاف الناس كلّ يوم، ينقذ أرواحهم من الانمساخ والتفسّخ تحت وطأة الجفاف الروحي والجمالي الذي تكرّسه المجتمعات الشمولية والبطريركية والمادية بمنهجية وبراعة. ما تقولهُ الرواية، باختصار، أن تمسّكنا بالجمال، وإصرارنا عليه، هو فعلُ مقاومة.
Just remember. The novel is the journey of Fatima, from the attempts of forgetfulness and even the confrontations of memory, and all her struggle to preserve her small and harmless rights in this arid life they have decided for her. The struggle with the (guardian), who speaks the name of religion sometimes, and in the name of tradition at other times, to penetrate the matrix of the takeover and come out with a small victory in writing poetry. Finally, it is clear to Fatima that the real hero of her story is the poetry itself, which saves the lives of thousands of people every day, saving their lives from the clutches and disintegration under the weight of the spiritual and aesthetic drought of the totalitarian, patriarchal and material societies. What the novel says, in short, that our attachment to beauty, and our insistence on it, is an act of resistance.